نقلاً عن الحقيقة
الأسعد اتفق مع غليون على إعلان مدينة إدلب أو جسر الشغور”منطقة محررة”
بالتزامن مع انتهاء مؤتمر”المجلس الوطني” في تونس، على أن يعلن غليون عن
ذلك! فما الذي جرى!؟
استانبول ، الحقيقة ( خاص من : نادرة مطر
مكتب التحرير): يوم الإثنين الماضي ، وفي إطار “عملية استخبارية” معقدة لا
تزال أسرارها مجهولة حتى الآن ، سدد الجيش السوري ضربة موجعة لما يسمى
“الجيش السوري الحر” في محافظة إدلب ، وتحديدا في خراج بلدة ” كنصفرة”
الواقعة إلى الجنوب الغربي منها بحوالي 30 كم ، وحوالي 20 كم عن مقر
قيادة”الجيش” المذكور في لواء اسكندرونة. وبحسب معلومات متطابقة أورتها
وكالات الأنباء و ” التنسيقيات” السورية، و”المكتب الإعلامي” التابع
لـ”المجلس الوطني السوري” ، فإن ما لا يقل عن 80 مسلحا من عناصر رياض
الأسعد قتلوا دفعة واحدة في العملية ، ولو أن الرقم ـ كما أكده لنا ضابط
يعمل قريبا من الأسعد في إقليم “هاتاي” ( لواء اسكندرونة المحتل) وفي
استانبول ـ يزيد عن ذلك بكثير ، ويعتقد أنه بلغ 150 قتيلا . فما الذي جرى
بالضبط ؟ وكيف ولماذا تجمع هؤلاء معا في مكان واحد ليتمكن الجيش السوري من
قتلهم جميعا في لحظة واحدة؟ وما الذي كانوا يخططون للقيام به ؟ وكيف تمكن
الجيش السوري من معرفة ما يخططون له!؟
هذه الأسئلة طرحناها
على ضابط برتبة نقيب يعتبر أحد المقربين جدا من الضابط المنشق / الفار رياض
الأسعد ، فكشف عن معلومات مثيرة نأخذها على محمل الجد ، بالنظر لأنه سبق
وأن كشف لنا في 13 تشرين الثاني / نوفمير الماضي عن معلومات جاءت الأحداث
اللاحقة ، واعتبارا من اليوم الثالث لإجرائنا الحديث معه ، لتؤكدها . ولعل
أبرزها اغتيال الطيارين التابعين لقاعدة ” التيفور” و نسف أنبوب الغاز الذي
يزود محطة محردة لتوليد الطاقة ، وصولا إلى يوم أمس حيث جرى اختطاف ثمانية
من المهندسين الأجانب العاملين في “محطة جندر” لتوليد الطاقة الكهربائية،
بينهم خمسة إيرانيين.
الضابط كشف أن الأسعد والملحق العسكري
الأميركي في أنقرة الكولونيل دين كاتسيانيز Dean Katsiyiannis ، وضابط من
المخابرات التركية مقرب من رئيسها حقان فيدان ويشرف على التنسيق مع الأسعد،
كانوا يعدون لعملية كبرى تقضي بالاستيلاء على مدينة إدلب ، أو جسر الشغور (
تبعد 10 كم عن مكان المعركة) إذا فشل الاستيلاء على إدلب ، وإعلانها ”
منطقة محررة”، على أن تتم العملية في اليوم الأخير من أعمال ” المؤتمر
الوطني السوري” في تونس ، وأن “يتولى برهان غليون شخصيا الإعلان عنها وطلب
حمايتها دوليا في مؤتمر صحفي يعقده غليون نهاية المؤتمر يتلو خلاله رسالة
من رياض الأسعد يقول فيها ما حرفيته تقريبا : إن تحرير إدلب ( أو جسر
الشغور) هدية للمؤتمر الأول للمجلس الوطني السوري”! وبحسب ما أكده الضابط ،
فإن الوحيد الذي كان على علم بالخطة هو فاروق طيفور ، نائب المراقب العام
لأخوان المسلمين السوريين وعضو قيادة ” المجلس الوطني” ، فضلا عن السفير
الأميركي” غوردن غراي” والسفير الفرنسي “بوريس بوايون” في تونس ، اللذين
كانا يتابعا أعمال مؤتمر “المجلس الوطني السوري” في كواليس فندق ” غولدن
توليب” الذي عقد فيه بضاحية “قمرة” شمال تونس العاصمة.
خلال
المؤتمر الصحفي الذي عقده غليون نهاية المؤتمر يوم الإثنين، جرى الإعلان عن
أن عقد المؤتمر تأخر ساعتين ( كان من المقرر أن يعقد الساعة 11 صباحا
بتوقيت تونس ، 13 بعد الظهر بتوقيت دمشق ، وفق الدعوات التي وجهت لوسائل
الإعلام). ونقلت وسائل الإعلام العربية والأجنبية في حينه عن أعضاء
المؤتمر قولهم إن سبب التأخير هو أن “غليون وقيادة المجلس كانوا يستمعون
للمؤتمر الصحفي لوزير الخارجية السوري وليد المعلم ، وكانوا يريدون معرفة
ما الذي سيقوله من أجل أن يبنى على الأمر مقتضاه”!
تفسير يبدو
للوهلة الأولى وجيها ومنطقيا ، إلا أن هذا ” لا أساس له من الصحة” ، كما
يؤكد الضابط ، لافتا الانتباه إلى أن المعلم ، وإذا أخذنا بعين الاعتبار
فارق التوقيت بين دمشق وتونس ( ساعتين) ، ” أنهى مؤتمره الصحفي قبل أن يحين
موعد المؤتمر الصحفي لغليون بأكثر من نصف ساعة”!؟
إذن ، ما الذي جرى ؟
يقول الضابط ” كان غليون ينتظر أن يزف له الأسعد خبر الاستيلاء على
إدلب ( أو جسر الشغور) ليعلن أنها منطقة محررة تحتاج لتدخل دولي من أجل
تحويلها إلى منطقة عازلة”. يتابع الضابط ” لكن الأخبار التي وردت إلى غليون
هي التي قلبت مزاجه رأسا على عقب. ولعلكم لاحظتم أن شخصا ما كان يدخل له
أوراقا بين الفينة والأخرى. وقد أشار غليون صراحة إلى أنه تلقى رسالة من
رياض الأسعد خلال مؤتمره الصحفي”. وقال الضابط ” ما تلقاه غليون من الأسعد
كان أخبار المجزرة التي تعرضنا لها على أيدي الجيش السوري قرب بلدة كنصفرة
، حيث خسرنا خلال أقل من ساعة أكثر من مئة من العسكريين والمتطوعين معنا ،
علما بأن المعلومات التي وصلتنا لاحقا تفيد بأن أكثر من 150 قتلوا ، وأن
أكثر من مئة جرحوا، ومثل هذا العدد تقريبا جرى اعتقاله. ونحن لا زلنا ندقق
الأرقام والأسماء والمعلومات حتى الآن”. ( المقابلة مع الضابط انتهت ظهر
اليوم الأربعاء 21 /12 . وترجم مضمونها من العربية إلى التركية ثم إلى
العربية مساء اليوم ـ هيئة التحرير).
وعن الخطة التي كانت
موضوعة ، يقول الضابط ” حسب المعلومات الجزئية التي أعرفها ، كان من
المنتظر أن يستولي مقاتلونا على بناء المحافظة وفرع الحزب والمفارز الأمنية
والأماكن الأخرى للسلطة في المدينة ، وأن تقوم مجموعات أخرى بالعمل نفسه
في جسر الشغور . والمدينة التي تتم السيطرة عليها ، تقدم الدعم للأخرى .
لكن كان الجهد مركزا على بلدة جسر الشغور ، لأن الاستيلاء عليها أسهل إذا
أخذنا بالاعتبار الإمكانيات التي تتوفر لدينا ، وهي بحدود 200 عسكري وحوالي
300 من المسلحين المدنيين غالبيتهم من أوساط جماعة الأخوان المسلمين . وقد
جرى حشد مقاتلين من مناطق أخرى في المحافظة وخارجها مثل خان شيخون ومعرة
النعمان وريف حماة وبقية مناطق جبل الزاوية. وكانت الخطة تقضي بأن يعلن
الأستاذ برهان غليون عن تحرير المدينة التي نبلغه عنها، وأن يطالب بحماية
دولية عاجلة لها . ولا أعرف بقية التفاصيل الأخرى”.
ولكن كيف أحبطت العملية؟
عن هذا السؤال يجيب الضابط بالقول”حتى الآن لا نعرف. ولكن المؤكد لنا
أن اختراقا أمنيا كبيرا جدا قد حصل في أحد الأماكن ، ولا نعرف إن كان
اختراقا بشريا أو إلكترونيا. لكننا نرجح أن تكون المخابرات السورية اخترقت
شبكة الاتصالات بيننا واكتشفت الأمر”!
“الحقيقة” عرضت الرواية
التي قدمها الضابط على مصدر تركي مطلع ومتابع للشأن السوري وأنشطة ما يسمى
“الجيش السوري الحر”، وطلبت تعليقه عليه فقال” في الواقع ليس علم بأي مما
ذكره ، ولو أني أعرف أن هناك محاولات متواصلة من قبل المسلحين المعارضين
لإقامة مثل هذه المنطقة (“منطقة محررة”) بدأت منذ أواخر أيار / مايو
الماضي، وتجددت على نحو أوسع بعد انشقاق رياض الأسعد وتشكيله مجموعته
العسكرية، لكن جميعها باء بالفشل ولم يكتب له النجاح . وبعد إنشاء المجلس
الوطني السوري الذي أصبح يعمل كما لو أنه جناح سياسي لهؤلاء المسلحين ،
ازدادت هذه المحاولات بالتنسيق بين الطرفين وأطراف أخرى في تركيا وغير
تركيا. وإذا كانت المحاولة الأخيرة قد جرت فعلا على النحو الذي ذكره ،
فأعتقد أن الأمر أشبه بالانتحار الجماعي والأعمال الصبيانية . فالإعلان عن
منطقة من هذا النوع يقتضي وجود استعداد مسبق من قبل جهات دولية كالأمم
المتحدة أو الحلف الأطلسي أو حتى تركيا لـتأمين حماية لهذه المنطقة فور
الإعلان عنها . وحسب معلوماتي ، لا أحد من هذه الجهات مستعد لذلك ، لأن
الأمر سيعني الدخول في مواجهة عسكرية وحرب مفتوحة مع الفرقة السابعة التي
حشدها الجيش السوري مؤخرا في المنطقة لهذا الغرض ، فضلا عن الجيش السوري
عموما ، الذي أجرى مؤخرا مناورات بالصواريخ الاستراتيجية المحمل بعضها
برؤوس غير تقليدية . وهذا الأمر بات الجميع يعرفه ولم يعد سرا . وقد أوصل
رسائل بأن القيام بمحاولات من هذا النوع يمكن أن يؤدي إلى تدمير السدود
التركية كلها ، لاسيما سد أتاتورك حتى لو أدى الأمر إلى فيضان في نهر
الفرات وكارثة بيئية يمكن أن تؤدي إلى تشريد مئات الأولوف من البشر على
جانبي الحدود. أعتقد ، في حالة صحة الرواية، أن يكون الأمر قد جرى لوضع
الجهات المعنية تحت أمر واقع وخلط الأوراق . وفي تقديري ـ إذا صحت الرواية ـ
إن الأخوان المسلمين السوريين هم من يقف وراءها وحدهم ، أما السيد غليون
فليس سوى واجهة لهم وبيدق يحركونه كما يشاؤون”. وختم بالقول ” مع ذلك ، فإن
ما جرى يستحق التأمل على الأقل من الزاوية الأمنية ـ الاستخبارية. لأن ما
جرى هو عمل استخباري ناجح بامتياز ، ولولا ذلك لما كان قتل هذا العدد
الكبير جدا من المسلحين دفعة واحدة. ولعل هذا ما يفسر التصريحات اليائسة
والنزقة التي أطلقها السيد غليون فور سماعه بالخبر. فلربما كان يعلق عليها
أملا كبيرا”.