تقرير "الأمن القومي الإسرائيلي": انهيار الأنظمة الحليفة وثبات المقاومة يجرّان "اسرائيل" إلى "كارثة كبرى"

إن الوضع الإستراتيجي الذي تعيشه "إسرائيل" منذ انطلاقة العام 2011 وحتى اليوم هو "الأكثر سوداوية" منذ العام 1983، وهو يسيّرها في مضمار شديد الإنحدار يشير الى تردّ يكاد يكون غير مسبوق منذ انغرست هذه الغدة السرطانية في قلب العالم العربي والإسلامي، ويكرّس العزلة الدولية الآخذة في الإزدياد حولها...على هذا النحو لخّص الكيان الصهيوني وضعه المتدهور في المنطقة من خلال التقرير السنوي لمعهد "بحوث الأمن القومي الإسرائيلي" المرتقب نشره الأسبوع المقبل والذي نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقتطفات منه.



أبرز النقاط الواردة في ملخص الصحيفة الصهيونية عن التقرير الإسرائيلي الإستراتيجي للعام 2011، والذي تناول تقريباً كل جوانب "الحياة" داخل الكيان الغاصب بالاستناد الى خلفيات أمنية، شكّلت محور حديث أجراه موقع "الانتقاد" مع الخبير في الشؤون الإسرائيلية تحسين الحلبي الذي لفت الى أن "الأشهر الماضية الممتدة من بداية العام 2011 وحتى الآن، لم تشكّل لـ"إسرائيل" حالة استقرار في مفهومها لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة، بعد أن كانت قد وضعت برنامج عمل أثرت فيه كل التطورات والتغيّرات التي يطلق عليها المجتمع العالمي الآن تسمية "الربيع العربي"، واعتبر أن "أخطر العوامل التي تضعها "إسرائيل" في أولوياتها جراء هذه التطورات هي الخسارة الإستراتيجية التي مُنيت بها في مصر، والتي قد تقود الوضع في الكيان الصهيوني الى نفق لا يستطيع هذا الكيان التحكم بنهاياته".



وفي السياق نفسه، أوضح الحلبي أن كيان العدو يعتبر أن "تداعيات تدهور الوضع في مصر تكبر كلما ازدادت قدرات إيران وسوريا والمقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة في المحافظة على عوامل الاستقرار أمام التطورات العربية"، لافتاً الى أن مسؤول الدائرة السياسية في وزارة الحرب الإسرائيلية جاموس جلعاد يحث "إسرائيل" على أن تضع إيران في أولوياتها الآن، لأن كل تداعيات وأخطار ما يسمى "الربيع العربي" التي تهدد الكيان الصهيوني يمكن أن تكون أقل ضرراً عليه إذا ما تخلّص من النظام الإيراني والنظام السوري والمقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة.



وفي معرض حديثه لـ"الانتقاد"، أشار الحلبي الى قول جلعاد إن "السماح لإيران بأن تمتلك سلاحاً نووياً سيؤدي الى انقلاب في ميزان القوى"، معتبراً أن "هذا الانقلاب مع تداعيات الوضع المصري ووضع بعض الزعماء العرب المتحالفين مع الولايات المتحدة الأميركية سيحمل كارثة كبيرة للعدو الإسرائيلي"، وأن "الوضع الإستراتيجي الإسرائيلي يتنبه الى خطر مزدوج من انهيار الأنظمة الحليفة لأميركا في المنطقة وازدياد استقرار ومنعة وقوة الممانعة، بما في ذلك امتلاك ايران السلاح النووي".



وحول إشارة تقرير معهد "بحوث الأمن القومي الإسرائيلي" الى "عدم وجود تقدم في الجهود الرامية إلى كبح مشروع إيران النووي"، وتحذيره من "تنامي خطر توجه دول أخرى في المنطقة إلى المسار النووي على خلفية ذلك"، لفت الحلبي الى أن "إسرائيل تضع السلاح النووي الإيراني كمبرر لجلب نوع من التدخل العسكري الدولي بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة، بينما هي تدرك في الحقيقة أن إيران، ومن دون أن يكون لديها قوة نووية، تشكل خطراً إستراتيجياً عليها، لأن هذا السلاح هو للردع وليس لاستخدام هجومي من قبيل الاحتلال والتدمير".





التركيز على ضعف امريكا في المنطقة هدفه دفع واشنطن باتجاه عمل عسكري وعدم الانسحاب من العراق



وفي تعليق على ما يورده التقرير الإسرائيلي عن أن "ضعف مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والعلاقات غير السوية بين إدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما وحكومة (بنيامين) نتنياهو، تسلبان "إسرائيل" مكوناً رئيساً في صورتها الردعية، وما يُمكّن جهات أخرى من محاولة أداء دور في الشرق الأوسط بصورة لا تخدم مصالح إسرائيل"، رأى الحلبي أن "إسرائيل تريد أن تحتال على هذا الأمر، حيث تدل كل المؤشرات على أن الولايات المتحدة الأميركية تتبنى كل المواقف الإسرائيلية تماماً، سواء من ناحية سياسية معلنة تجاه الصراع العربي الصهيوني، أو من ناحية التحريض الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا، أو محاولة إيجاد استراتيجية جديدة لحماية نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك والمحافظة عليه"، لافتاً الى أن الكيان الصهيوني يريد من قوله هذا "أن يدفع أميركا الآن باتجاه العمل العسكري وعدم الانسحاب من العراق، وهو بدأ في انتهاج نغمة جديدة في السياسة الاستراتيجية حالياً، مفادها أنه كان ينبغي في العام 2003 توجيه الحرب الأميركية للتخلص من النظام الإيراني وليس لاحتلال العراق".



مقاربة التقرير لانهيار عملية التسوية واستشراف غضب جموع الشارع العربي عليها "صحيحة"



وفي ما يخص "الفراغ العظيم" الناشئ في الشرق الأوسط بسبب ما يسمى "الربيع العربي" وانهيار عملية التسوية في المنطقة والضعف الشديد للولايات المتحدة الأميركية، الذي تحدث عنه التقرير الإسرائيلي، معتبراً أن التأليف بين هذه العوامل قد يودي بـ"إسرائيل" إلى كارثة كبيرة، والى أن تصبح عنواناً لغضب الجموع في الشارع العربي إذا حصل تصعيد في غزة أو الضفة الغربية، رأى الحلبي أن "هذه المقاربة السياسية الإسرائيلية صحيحة في الواقع، لأن مجريات العالم العربي، لا سيما في مصر المحاذية لقطاع غزة، تدفع "إسرائيل" للإعتقاد بأن الوقت غير مناسب أبداً للقيام بعملية "رصاص مسكوب" جديدة، كما في العام 2008، أو عملية اجتياح واسعة النطاق لقطاع غزة، لأن ذلك سيلهب المصريين تجاه "كامب دايفيد" ويذكرهم بأن كرامتهم مهانة إزاء أي عمل قد يقوم به العدو الصهيوني ضد الأشقاء العرب"، مؤكداً أن"إسرائيل تحاول الإبتعاد عن صورة العلاقات الحسنة مع رئيس المجلس العسكري الأعلى في مصر المشير طنطاوي، وهي تحرص على أن يؤدي المجلس مهمته تجاه العلاقات معها دون الإعلان عنها لكي لا يثير غضب الجمهور المصري ويذكره باتفاقية العار في كامب دايفيد".



وضع المقاومة في قطاع غزة يجعل "إسرائيل" تعيد حساباتها في اي تصعيد عسكري



وفي سياق متصل، أكد الحلبي أن عملية "وفاء الأحرار" التي كتبت بموجبها الحرية لـ1027 أسير وأسيرة فلسطينيين مؤخراً من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة "كانت تشكّل فعلاً وما تزال رافعة معنوية يمكن أن ينشأ عنها حالة ثورية متقدمة في قطاع غزة تجاه العدو الإسرائيلي، لأنها جعلت الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة الغربية يشعر بأن المقاومة قادرة على تحقيق مكاسب على صعيد تحرير الأسرى والردع المتوازن نسبياً مع "إسرائيل" أمام الظروف العربية التي تتشكّل في حالة يناهض فيها الجمهور العربي الكيان الصهيوني وأي اعتداءات قد ينفذها على الشعب العربي".



وفي الإطار نفسه، ختم الحلبي بالقول "أصبحنا الآن أمام وضع انتقالي جيد للمقاومة في قطاع غزة، و"إسرائيل" تعيد حساباتها مؤقتاً محاولةً أن تتجنب أي مجابهة أو تصعيد عسكري يورطها ضد الفلسطينيين بانتظار إنجلاء هذه الصفحة ورؤية نتائجها".