Albiro مراقب عام
عدد المساهمات : 125 تاريخ التسجيل : 27/10/2011 العمر : 38
| موضوع: بين الشاه وصدام والقذافي: حقائق لا بد للرأي العام أن يعرفها عن الإرهاب الأميركي الجمعة نوفمبر 04, 2011 4:13 am | |
| بعيداً عن ضوضاء الدجل الأميركي والأوروبي بالإحتفاء بمصرع الديكتاتور معمر القذافي تتسلل من بين الاخبار العاجلة والمشاهد المثيرة عن نهاية طاغية يشبه الشيطان، الاسئلة التالية: ما الفرق بين صدام حسين، ديكتاتور العراق، الذي أدمى ثلاثة شعوب: العراقيين والايرانيين والكويتيين، ومعمر القذافي الذي في سجله ضحايا كثر من الشعوب في المشرق والمغرب، وشاه ايران الذي في رقبته دماء مئات الالوف من الايرانيين؟ وهل من رابط فعلي مشترك بين هؤلاء المجرمين؟ وما هو دور الشياطين الكبار في دعم المتعهدين الصغار للحروب والازمات مثل هؤلاء؟
الجواب، لا فارق إلا بالاسم، ونعم يوجد رابط، وأكثر من رابط، والوقائع التالية من شأنها ان تميط اللثام تدريجيا عن حلقة تبدأ من واشنطن وتل ابيب وتمر في بيروت وطهران وطرابلس وبغداد، ويمكنها ان تفسر كيف تعمل الالة التي تتحكم بمصائر الشعوب المستضعفة.
كان نظام الشاه محمد رضا بهلوي في ايران ومنذ الاطاحة بحكومة محمد مصدق وحركة المرجع الديني آية الله ابو القاسم كاشاني في التاسع عشر من آب عام 1953 يدين الى الولايات المتحدة وبريطانيا في استعادة عرشه والقضاء على معارضيه. ومذ ذاك التاريخ واختصارا لمحطات كثيرة صار متفقا عليه في جميع المراجع والنصوص ان الشاه بات يعرف بشرطي اميركا في منطقة الخليج، واقام الرجل علاقات وثيقة مع اسرائيل لتكون ايران البلد المسلم الثاني بعد تركيا التي تعترف بالكيان الصهيوني، وتفتح له سفارة في عاصمتها. وتجلت مظاهر التعاون الثلاثي الاميركي ـ الاسرائيلي ـ الايراني في جهاز "السافاك" الشهير، الذي يمثل الاسم المختصر لمنظمة الامن الايرانية التي كان للاميركيين والاسرائيليين والبريطانيين نصيب كبير في تأسيسها وتدريبها على ما تفتقت افكارهم من اساليب وحشية في التعذيب والتحقيق، والتي اشتهر بها السافاك لاحقاً، وهناك في طهران اليوم مئات الوف الوثائق التي تكشف عما كان "الموساد" والـ"سي. اي. ايه" و"السافاك" يفعلونه معاً.
في عقدي الستينيات والسبعينيات كان هناك في المقابل ثلاثة علماء دين كبار يقومون بحراك استثنائي في كل من ايران والعراق ولبنان. الامام الخميني الذي اطلق ثورة اسلامية جديدة في ايران عام 1963، والمرجع الديني السيد محمد باقر الصدر الذي اطلق حركة سياسية اسلامية في العراق كسرت مفاهيم كانت سائدة في الاوساط الدينية آنذاك، والامام السيد موسى الصدر الذي اطلق حركة سياسية ضد الاهمال الذي كان يطال الطائفة الاسلامية الشيعية وحركة مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الاسرائيلي في لبنان.
الصحافي الزميل ايمن زغيب أعد ثلاثة افلام وثائقية عن العلماء الثوريين الثلاثة، الامام الخميني والسيدين محمد باقر الصدر وموسى الصدر، واستنتج من خلال ابحاثه المعمقة وجود رابط وثيق بينهم، وان حركة الثلاثة الموزعة بين طهران وبغداد وبيروت كانت منسقة، ولكل منهم دوره في عملية استنهاض شعبه والقضاء على التسلط الداخلي والخارجي. السيد محمد باقر كان على صلة بالامام الخميني في النجف الاشرف طيلة فترة نفيه الى هذا البلد الممتدة من عام 1965 الى اواخر عام 1978، وهناك تفاصيل كثيرة عن هذه الصلة موجودة ومنشورة في اكثر من مصدر.
اما الامام الصدر فهو يرتبط بالامام الخميني بصفتهما يحملان جنسية بلدهما ايران، وكانا على صلة وثيقة اثناء الثورة الاسلامية حيث تثبت وثائق عديدة وشهود كثر ما زالوا أحياءً دور الامام الصدر في دعم الثورة الايرانية وتخصيص الامام الصدر فريقا كان يقوم بنسخ خطب الامام الخميني على اشرطة كاسيت وترحيلها بطرود مخبئة الى طهران عبر مطار بيروت الدولي. يكفي ان احد رموز الثورة الاسلامية الشهيد الدكتور مصطفى شمران، والذي اصبح وزيرا للدفاع الايراني بعد انتصارها، كان الساعد الايمن للامام الصدر في لبنان ويعود اليه الفضل في تأسيس افواج المقاومة اللبنانية واطلاق العمليات العسكرية ضد الاحتلال الاسرائيلي، ويكفي ان ابن الامام السيد احمد الخميني تواجد مرات عدة في جنوب لبنان الى جانب المقاومين وله صورة شهيرة على ظهر دبابة اسرائيلية دمرها المقاومون اللبنانيون.
اما المرجع محمد باقر الصدر فله زيارة شهيرة الى لبنان ولقاءات مع قريبه الامام الصدر وغيرها من المعطيات التي اقامت خطا جهاديا بين بغداد وبيروت. وليس صدفة ان ثلاث فتاوى من ثلاثة مراجع للمسلمين الشيعة صدرت في آن واحد اباحت استخدام جزء من الحقوق الشرعية (اموال الخمس والزكاة) لدعم المقاومة الفلسطينية المسلحة وصمود الشعب الفلسطيني، الامام الخميني والامام السيد محسن الحكيم ومعه السيد محمد باقر الصدر والامام موسى الصدر، وهو امر بالنسبة لاسرائيل يصب في خانة الدعم المباشر لعدوها اللدود آنذاك المقاومة الفلسطينية.
كانت سفارة الشاه في بيروت تضم وحدة تابعة للسافاك مختصة بمراقبة نشاط المعارضين الايرانيين وضمنهم فريق مختص بمراقبة الامام موسى الصدر، وكانت التقارير تصل مباشرة الى المقر الرئيس للسافاك في طهران وتتضمن الشاردة والواردة عن حركة هذا الرجل، ويجري توضيبها في ملف واحد يحمل اسم موسى الصدر. وهذه الوثائق موجودة الان كما هي، وبعد انتصار الثورة الاسلامية نشرها فريق مختص في ثلاثة مجلدات موجودة في "متحف عبرة" (المسجن المركزي للسافاك في طهران) وقد تصفحتها خلال زيارة الى طهران منذ عدة اشهر، وتحتاج هذه الكتب الثلاثة فقط الى من يترجمها من الفارسية الى العربية. اما غاية هذه القصة فهي ان هذه التقارير كانت تصل الى جهازي الموساد والسي ايه ايه بحكم العلاقة الوثيقة لهما مع السافاك واقامتهما بعثات كبيرة في طهران لهذه الغاية.
كانت التقارير الاميركية تؤكد ان نظام الشاه آيل الى السقوط لا محالة بدءا من شهر آب عام 1978 حيث تصاعدت حدة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية في ايران. فلنر ماذا حصل في تلك الفترة.
في الخامس والعشرين من آب عام 1978 اختفت آثار الامام موسى الصدر في ليبيا حيث يفترض انه كان يزورها بدعوة من معمر القذافي.
في الرابع والعشرين من ايلول 1978، اي بعد شهر بالتمام، حوصر منزل الامام الخميني في النجف الاشرف، بعيد لقاء جمع وزيري خارجية ايران والعراق في نيويورك بطلب اميركي انفاذا لاتفاقية الجزائر التي وقعها الشاه وصدام حسين عام 1975 باشراف اميركي مباشر. ابلغت السلطات العراقية الامام بان عليه الكف عن التدخل بالسياسة او مغادرة العراق، فاختار المغادرة وحطت به الرحال في فرنسا بعد احد عشر يوما، في السادس من تشرين الأول عام 1978، وقد كان لبنان احد الخيارات المطروحة كي يستقر فيه الامام الخميني.
في تلك الاثناء كانت واشنطن وتل ابيب تنسقان جهودهما في البحث عن خيارات تمنع انهيار نظام الشاه وتلتفان بها على الثورة الشعبية الاسلامية فكان خيار دعم شاهبور بختيار، الذي احبطه الامام الخميني، فلم يعد امام الادارة الاميركية الا آخر الدواء، حيث ارسلت في الثالث من كانون الثاني 1979، اي بعد شهرين من استقرار الامام في باريس، الجنرال روبرت هويزر نائب قائد القوات الجوية الاميركية في اوروبا في مهمة عاجلة كلف بها من البيت الابيض مباشرة، وتقضي بتهيئة القوات المسلحة الايرانية لتوجيه ضربة نهائية الى الثورة وتنفيذ انقلاب عسكري مشابه لما تم في انقلاب 1953.
قام هويزر بنفسه بتعيين قادة جدد للجيش الايراني لادارة المرحلة المقبلة بعدما تم اقصاء آخرين، ووضع مخططا تفصيليا للانقلاب عثر عليه في مكتب الجنرال افشار اميني وكان يتوقع سقوط خمسين الف قتيل. لكن الارادة الشعبية الايرانية كانت اقوى وتحدى المتظاهرون عنف نظام الشاه ونزلوا الى الشوارع بالملايين وسقط منهم عشرات الوف الشهداء، وتحدى الامام التهديد الاميركي بقصف طائرته وحطت في طهران مطلع شباط عام 79، وفر هويزر ومن معه من مستشارين عسكريين اميركيين، لكن بقي الرهان عل تنظيم انقلاب تديره السفارة الاميركية في طهران، لكن عملية اقتحامها واحتجاز ديبلوماسييها ومن معهم من ضباط وعناصر السي اي ايه، احبط مخططاتهم التي تم التاكد من صحتها بين طيات الوثائق التي عثر عليها داخل السفارة.
عندما يئست واشنطن بقي لها خيار اخير، فاوعزت الى صدام حسين بشن حربه على ايران ففعلها في الثاني والعشرين من ايلول عام 1980. لكن لكي يتسنى له القيام بذلك، قام بحملة شرسة على كبار علماء الدين فاعتقل المرجع الديني السيد محمد باقر الصدر واعدمه في التاسع من نيسان ذلك العام، ليتخلص من الرجل الذي كان يقول للعراقيين ذوبوا في الامام الخميني كما ذاب هو في الاسلام؟
لا يحتاج احد الى دليل كي يثبت ان صدام كان مجرد دمية بيد اميركا نفذ اوامرها بغية القضاء على النظام الاسلامي الجديد في طهران، وما سيل الدعم العسكري والسياسي والمعلوماتي الذي حظي به من الولايات المتحدة ودول اوروبية وعربية كثيرة الا دليل بسيط على وظيفة حربه ضد ايران الاسلامية؟ خلاصة القول ان الاميركيين والاسرائيليين كانوا يدركون من خلال التقارير الاستخبارية المكثفة تلك الفترة ان حليفهم الشاه سيسقط وان تداعيات انتصار ثورة الامام الخميني ستكون كبيرة، وخصوصا في لبنان والعراق، لذا اوعزوا الى القذافي في آب عام 78 ان يخفي الامام موسى الصدر، والى صدام حسين ان ينفي الامام الخميني من العراق بعد شهر، عسى ان يتاح لهم قطع خط التواصل الذي كان قائما من النجف الاشرف الى بيروت فطهران، ثم لما فشلت كل المحالاوت الانقلابية الاميركية على ثورة ايران كان من الضروري لصدام حسين كي يقضي على اي حركة احتجاج شعبية في العراق على حربه ضد ايران ان يبادر الى اغيال السيد محمد باقر الصدر.
ليست الاحداث التي جرت بالتسلسل الزمني السريع صدفة، كما هي ليست صدفة ان يسقط نظام صدام في التاسع من نيسان عام 2003 في اليوم نفسه الذي اعدم فيه بيديه السيد الصدر، كما ليس صدفة ان يسقط نظام القذافي في الخامس والعشرين من آب عام 2011 في اليوم نفسه الذي اخفى فيه الامام الصدر ورفيقيه، وطبعا ليس من الصدفة ان اوري لوبراني الذي كان مسؤولا عن البعثة الاسرائيلية في طهران حتى انتصار الثورة الاسلامية باشهر، هو نفسه الذي عين منسقا للانشطة الاسرائيلية في لبنان مباشرة بعد احتلاله عام 1982.
وعليه ليس اختراعا القول ان وراء جرائم القذافي وصدام ضد الائمة الثلاثة تورطا اميركيا واسرائيليا مباشرا، وان من يزعم الاميركيون انهما خلصا شعبيهما منهما، اي صدام حسين ومعمر القذافي، ليسا الا متعهدي قتل وحروب لصالح الاميركيين، سيأتي يوم ربما لا يطول وتظهر فيه وثائق تكشف، كما كشفت سابقاتها، عن كيفية خوض الاميركيين حروبهم القذرة ضد الشعوب المستضعفة، بالأصالة أو بالوكالة.
عبد الحسين شبيب | |
|