هل حقا أن سوريا بخير ؟

تتقاذفنا هذه الأيام الأخبار يمنة ويسرة, تطالعنا الفضائيات كل يوم بألف قصة و قصة.. محلل هنا و محلل هناك فتعلو المعنويات وتهبط فما حقيقة الأمر ؟ هل سوريا حقا بخير ؟

إن كثرة التفاصيل من حولنا وكثرة ما نسمع من حوادث قتل و خطف وإرهاب يومية وحوادث أمنية مفجعة قد تجعلنا نضيع في تلك التفاصيل فنخاف حينا و نحبط حينا و نشعر بنشوة النصر أحيانا أخرى ولكنها و بكل تأكيد تعمينا عن الواقع الحقيقي لميزان القوى على الأرض, والذي هو المهم و الأهم.

فهل سوريا حقا بخير ؟

لننسى تصريحات الجامعة العربية وأزلامها, لننسى أخبار حمص و أدلب وغيرها لوهلة و لنبقي أعيننا على المؤشرات الأهم عن حقيقة الوضع في سوريا, فهذه المؤشرات هي ما يهم حقا في الصراع الدائر, فالصراع هو دولي بامتياز والحرب كونية و دائرة بشكل خفي و على مستوى عالمي بين محور الممانعة وأميركا و حلفائها.

قد يقول قائل: نعم ولكن لدينا مشكلة داخلية خطيرة.. مسلحين و متظاهرين و شرخ طائفي حتى..

نعم هذا صحيح, ولكن في حال الانتصار أو الاتفاق على تسوية إقليمية مع السيد الأمريكي و فرضية الانتصار هي المرجحة أكثر.

فهل سيكون للمسلحين قيمة أو هل سيشكلون خطرا حقيقيا في حال رفع الدعم والتمويل و التغطية الأمريكية عنهم ؟؟ كم يحتاج الجيش السوري لإنهاء هذه الظاهرة بشكل تام لو أطلقت يده دوليا ؟؟ أسابيع ؟ لا ربما أيام.

أما المتظاهرين فهل سيستمرون في التظاهر في حال توقفت الفضائيات عن إظهارهم و التحدث عنهم ؟؟ ألن يملوا و يعودوا الى منازلهم خلال أسبوع أو أسبوعين ؟

فإذا الصراع الحقيقي هو مع السيد وليس مع العبيد, أنه صراع مع الصانع وليس الأدوات, وفهم هذا الصراع و تطوراته هو ما سيعطينا صورة واضحة عن حقيقة الوضع في سوريا, ولذلك سأحاول مناقشة المخاوف و المؤشرات الحقيقية عن الوضع السوري:

1- الشرخ الطائفي الحاصل في بعض المناطق و التخوف من حرب أهلية:

إن هناك شرخ طائفي حاصل في بعض المناطق في سوريا وهذا الشرخ مرده ليس إلى طبيعة الشعب السوري, وإنما إلى بذل الغرب كل طاقاته وخططه الشيطانية لصنع هذا الشرخ, عن طريق رجال مدربين على القتل و بوحشية يقومون باستهداف طوائف معينة لإثارتها و دفعها للمواجهة مع طائفة أخرى وهذا هو الهدف.

وإعلام عربي لا بل صهيوني مكرس لإثارة الفتن وسحق الشعوب.

إن ما نشهده في سوريا بهذا الخصوص هو امتداد لشرخ طائفي إقليمي عملت الولايات المتحدة على إذكائه منذ سنين بالتعاون مع أجهزة إعلام صهيونية ناطقة بالعربية, و الهدف هو صنع عدو جديد هو إيران والشيعة عوضا عن العدو الحقيقي الذي هو اسرائيل.

وهذا ما نجحوا به الى حد كبير نظرا الى حجم الهجمة الإعلامية التي كرست الكره ضد إيران وحزب الله و الآن للنظام السوري و الذين يشتركون جميعا في قاسم واحد مشترك وهو معاداة الغرب و الصهيونية, وذلك على الرغم أنهم لم يقوموا بأي عمل يسيء للأعراب و الطرف الأخر سوى ممانعتهم و تصديهم للعدو الصهيوني و المشروع الأمريكي.

ما حدث في سوريا و يحدث الأن هو تكرار للسيناريو الإعلامي التحريضي الهادف لخلق صراع داخلي يستطيع تحقيق ما لم تستطع أمريكا و اسرائيل تحقيقه خلال عقود وهو إسقاط سوريا.

ولكن, علينا إدراك حقيقة واحدة وأساسية, فعلى الرغم من اعترافنا أن هناك شرخا طائفيا قد حدث في أماكن معينة, ولكن علينا أن لا ننسى أن هناك فرق كبير بين الكره و الحرب, فقد تكره طائفة ما, طائفة أخرى لسبب أو لأخر, آني أو دائم, ولكن هل هذا يعني الحرب الأهلية ؟؟

أليس هناك شرخ طائفي هائل في لبنان ؟ ولكن هل يتحاربون ؟ الجواب هو كلا, لماذا ؟

لأنه لا مجال لحدوث أي حرب طائفية بوجود جيش وطني موحد و إدارة مركزية قوية ومسيطرة, ولهذا لا يمكن حصول حرب أهلية في سوريا إلا في حالة واحدة وهي سقوط النظام, ولذلك يدفع الغرب بكل قوته في هذا الاتجاه.

وبما أن النظام قوي و متماسك ولن يسقط فإني أرى أن احتمال الحرب الأهلية في سوريا هو احتمال شبه معدوم, بغض النظر عما تتداوله الفضائيات.

2- لا شك أن النظام السوري قد حقق انتصارات مهمة على الصعيد الأمني و العسكري و وضعه الأن أفضل من بداية الأحداث, فعنصر المفاجأة قد انتهى و الأمن السوري أصبح لديه معلومات كبيرة وشاملة عن المسلحين و أطراف المؤامرة الداخلية والخارجية ولديه الآن خطط ناجحة للرد عليهم و ضربهم.

3- الثورات ككرات الثلج, حين تتوقف عن الدحرجة تذوب, وكرة الثلج في سوريا توقفت عن الدحرجة منذ فترة و النظام إضافة لمؤيديه الذين لم يغيروا موقفهم, استطاع استقطاب شريحة كبيرة ممن يسمون بالرماديين أو حتى من المعارضة بعد أن تكشفت خيوط المؤامرة و أدواتها و بعد أن أصبح هناك وعي جمعي لدى السوريين بجميع شرائحهم وتوجهاتهم السياسية أن الهدف هو سوريا الوطن والأم وليس النظام, وهذا ما زاده قوة وقدرة على الصمود.

4- الوضع الإقليمي بعد الانسحاب الأمريكي من العراق صار أفضل بكثير و لصالح النظام, إضافة الى أن استحقاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام القادم 2012 سيقلص بشكل كبير من قدرة الأمريكيين على المناورة خارجيا حيث سينصب التركيز على الوضع الداخلي والناخب الأمريكي.

5- عدم وجود انشقاقات في الجيش العربي السوري لا بل حتى لا وجود لأي انشقاقات في السلك الدبلوماسي بعد 9 أشهر على التحريض و برغم كل الإغراءات وهذا مؤشر مهم للغاية.

6- أما أهم المؤشرات على تماسك النظام فهو عدم اعتراف صناع مجلس اسطنبول به, فحتى أكبر المتآمرين كقطر و تركيا لم يجرأوا على الاعتراف بمجلس هم صانعوه, لأنهم يعرفون مدى تماسك النظام و قوته.

بوجود جميع هذه المؤشرات الواضحة فإن كل ما يقال عن أن النظام السوري على شفير السقوط هو مجرد كلام فارغ, وإن جميع الحوادث الأمنية الإرهابية من تفجير هنا و تفجير هناك واغتيال هنا و خطف هناك لا تعدو عن كونها حوادث مؤلمة ومحزنة ولكنها لا تؤشر الى خطر كبير يعصف بالدولة السورية, و يبدو أن ما يقال عن تساهل السلطة في حسم الموقف في حمص هو نتاج لعلمها أن المعركة هي دولية بامتياز مع السيد الأمريكي الذي لو صرخ متألما فستنتهي الأزمة السورية وجميع مظاهرها بسرعة كبيرة.

إن إبقاء أعيننا على المؤشرات الهامة السابقة سيعطينا فكرة واضحة وأكيدة على أن سوريا بخير, كي لا نضيع في التفاصيل اليومية للأحداث لأن التفاصيل تقتلنا, وتحرق أعصابنا.

والنصر هو صبر ساعة... و الخاسر من يصرخ أولاً.